المقدمة: خلال السنوات الأخيرة اكتسبت كتب التنمية البشرية قدرًا كبيرًا من الشعبية والشهرة، ويأتي في مقدمتها كتاب (السر) الذي يزعم أنه يقدم للناس سر السعادة، والنجاح، وتحقيق الأماني، وحل كل المشاكل التي قد يعاني منها البشر. ولقد حاز الكتاب على إعجاب الكثيرين؛ حتى تصدر قوائم الكتب الأكثر مبيعًا حول العالم، وتُرجِم لأكثر من ثلاثين لغة، ولكن ليس كل ما يلمع ذهبًا؛ فهذا الكتاب يشتمل على جملة من الانحرافات العقائدية الخطيرة التي تستوجب التحذير منه، وبيان ما فيه من شطحات وأباطيل لا يمكن التغاضي عنها، وهذا ما يفعله (عبد الله العجيري) في كتابه (خرافة السر)؛ حيث يشرح لنا بشكل مرتب وواضح مدى خطورة وفساد الأفكار التي يسوّق لها كتاب (السر)، والتي حاول البعض صبغها بالصبغة الإسلامية دون وجه حق.
يَزعُم الكتاب أنه يقدم للناس السر الذي سيمكنهم من حل جميع مشاكلهم، وتحقيق النجاح والثراء والسعادة. وأن هذا السر قد ظل حبيسًا في عقول أفراد معينين على مدار التاريخ، ثم سُرِقَ منهم لينكشف اليوم، ويكون في متناول الجميع. والعجيب أن هذا السر المهول الذي بالغوا في وصفه أشد المبالغة لم يكن سرًا في يوم من الأيام؛ فهو لا يعدو إعادة تغليف، وتصدير لفكرة قديمة تم تناولها في العديد من الكتب والمقالات، وتدور هذه الفكرة حول قانون يُسَمَي بـِ (قانون الجذب) الذي ينص على أن الشبيه ينجذب لشبيهه؛ لذلك فعندما تفكر في أفكار جيدة تجذب لك الأمور الجيدة، وعندما تسيطر على عقلك الأفكار السلبية والحزينة تنجذب إليك الأحداث المؤسفة. والسر الذي يقدمه لك الكتاب هو أنك يمكنك استغلال هذا القانون لصالحك؛ فإذا أردت شيئًا؛ فعليك أن تفكر فيه، وتركز كل انتباهك عليه، وتشعر وكأنك قد امتلكته بالفعل، وستحصل عليه قطعًا. وهكذا صار بمقدورك خلق واقعك الخاص من خلال تفكيرك، وهذا ليس معنى مجازي، أو مجرد دعوة للتفاؤل، أو التفكير بإيجابية؛ فهم لا يقصدون أن الخواطر الحسنة تشجع الإنسان على العمل والاجتهاد، وبالتالي تحقيق الهدف المرغوب، والعكس بالعكس، بل هم يَدّعون أن مجرد وقوع الفكرة، والإحساس في النفس يستجلب ما يساويه من خير وشر، وأن بمقدور الإنسان أن يجذب إليه ما يريد من خلال ضبط تردد موجات عقله الكهرومغناطيسية.
ويعرض الكتاب بعض الأمثلة التي تُظهِر مدى تأثير قانون الجذب في حياتنا؛ فمثلًا يرى الكتاب أن البدانة يخلقها الإنسان بأفكاره؛ فالطعام ليس مسئولًا عن زيادة الوزن، بل فكرتك أنه يزيد الوزن هي ما تجعله كذلك؛ لذلك إذا تخلصت من هذه الأفكار الشائعة "المغلوطة"، وآمنت أن الطعام ليس بوسعه زيادة وزنك؛ فحينها لن يزيد وزنك أبدًا. وفي نفس السياق، يرى الكتاب أن الإنسان هو المسئول عن مرضه؛ لأنه يركز عليه، ويتحدث عنه طوال الوقت؛ مما يزيد من عدد الخلايا المريضة في جسده، أما لو تناسى المرض، وفكر فقط في العافية والشفاء؛ فستأتيه العافية صاغرة. كما يمكن للإنسان التخلص من الشيخوخة عن طريق تجاهلها، وعدم التفكير فيها، وبهذا سيحتفظ بشبابه؛ لأنه فكر بطريقة إيجابية، فالذي يشيخ هو فقط من يفكر في الشيخوخة. وبجانب ذلك ينهى الكتاب الاعتقاد بأن المال يأتي بالعمل والكدح؛ فعندما تراودك هذه الأفكار؛ فإنك تبث ذلك التردد، ونتيجة لذلك تصبح هذه هي صورة حياتك الحقيقية؛ لذلك عليك التخلي عن هذه الأفكار، والتشبث بفكرة أن المال يأتي بسهولة ويسر، وسيأتي المال بسهولة ويسر. وهكذا فكتاب السر يُبطِل سببية الأسباب بمجرد الاعتقاد؛ فالطعام لن يزيد الوزن لمجرد عدم الاعتقاد بذلك، والجسد لن يصاب بالشيخوخة لمجرد عدم تصديقنا لذلك، وكل شيء لا تأثير له إلا إذا اعتقدنا أن له تأثير، وبالطبع هذا هراء وسخف.
يتضمن كتاب السر جملة من العثرات الخلقية والسقطات السلوكية التي تدل على مدى تناقض الكتاب مع الخلق والدين؛ فهو يُربي في الأشخاص الأنانية، والالتفاف على الذات، وتلبية رغباتها فقط؛ حيث ينتقد فكرة التضحية من أجل الآخرين؛ لأنه يرى أنها تأتي من الشعور بعدم وجود ما يكفي الجميع؛ لذا يقرر المضحي أن يحرم نفسه من أجل أن ينعم الآخرين، وهذا خطأ؛ فهناك وفرة من أجل الجميع، ومسئولية كل شخص هي أن يستدعي رغباته الخاصة، لا رغبات الآخرين، وهكذا فلا محل للتضحية والإيثار، وإنما هي الأنانية المحضة. وفي نفس السياق، ينصح الكتاب بالتوقف عن الاستماع لشكوى الآخرين، أو التعاطف معهم؛ لأن ذلك سيجلب المزيد من المواقف التي تستدعي الشكوى، كما ينصح بالابتعاد عن متابعة الأخبار، وقراءة الصحف؛ لأنها لن تحمل إلا شعورًا سلبيًا، وبالتالي يطالبك الكتاب أن تتجاهل العالم بمن فيه، ولا تلتفت سوى لنفسك. ولا يقتصر الأمر على الأنانية؛ فالكتاب يربي الغرور في قارئه أيضًا؛ حيث يحذره من النظر إلى نفسه بعين ناقدة، بل يجب أن يكون راضيًا عنها، وعما هي عليه؛ حتى تجلب له كل الخير، ثم كيف ينظر لنفسه بانتقاد، وهو الكائن العظيم المتكامل سيد الكون، كما يصوره الكتاب؟!
يقوم الكتاب بقلب الطاولة؛ فيجعل من المظلوم ظالمًا، ومن المجني عليه جانيًا؛ فبما أن الإنسان هو المتسبب في كل ما يحدث له خيرًا وشرًا؛ إذًا فهو من تسبب في أن تصدمه السيارة ذات السائق الثمل، وهو من اجتذب السارق؛ لكي يأخذ هاتفه، وهو المسئول عن الرصاصة التي أصابته في أحد الاحتفالات؛ كل هذا تسبب به لنفسه؛ بسبب أفكاره السيئة والحزينة -وفقًا للكتاب -، بل إن الكتاب يّدعي بأن الكوارث التي يروح ضحيتها الكثير من الأرواح ناتجة من أفكار هؤلاء الضحايا؛ لأنهم كانوا جميعًا يشعرون بالخوف والإحباط والحزن؛ مما جذب إليهم هذه الكارثة. ولا شك أن هذا الكلام مخالف للواقع؛ فكم من خائف أمن من بعد خوف، وكم من آمن خاف من بعد أمنه. وبالإضافة إلى ذلك، يدعو الكتاب إلى الاقتصار على العمل الذي يحبه الإنسان، وعلى ما يجلب له المتعة والبهجة، والابتعاد عما يثير ضيقه، وبهذا المقياس إذا ضايقتك الصلاة؛ فلا تصلِّ، وإذا كان الصيام شاقًا عليك؛ فلا تصُم، وإذا كان عملك مملًا؛ فاتركه، وهذا مخالف لمصلحة الإنسان؛ فالإنسان بضعفه وجهله قد يحب ما يضره، وقد يكره ما ينفعه؛ فكما قال الرسول -عليه الصلاة والسلام -: (حُفَت الجنة بالمكاره، وحُفَت النار بالشهوات)؛ لذا لا يصح أن يكون حب الشيء وبغضه هو المقياس الوحيد للأمور، بل يجب أن يكون الأمر منضبطًا بضوابط الشريعة والأخلاق والعقل، وإلا فهي الفوضى والندم المؤكد.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان